فصل: فصل: (طاعة النبي صلى الله عليه وسلم):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الفخر:

يروى أنه لما نزل قوله: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ الله} الآية قال عبد الله بن أُبي: إن محمدًا يجعل طاعته كطاعة الله، ويأمرنا أن نحبه كما أحبت النصارى عيسى، فنزلت هذه الآية، وتحقيق الكلام أن الآية الأولى لما اقتضت وجوب متابعته، ثم إن المنافق ألقى شبهة في الدين، وهي أن محمدًا يدعي لنفسه ما يقوله النصارى في عيسى، ذكر الله تعالى هذه الآية إزالة لتلك الشبهة، فقال: {قُلْ أَطِيعُواْ الله والرسول} يعني إنما أوجب الله عليكم متابعتي لا كما تقول النصارى في عيسى بل لكوني رسولًا من عند الله، ولما كان مبلغ التكاليف عن الله هو الرسول لزم أن تكون طاعته واجبة فكان إيجاب المتابعة لهذا المعنى لا لأجل الشبهة التي ألقاها المنافق في الدين.
ثم قال تعالى: {فإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّ الله لاَ يُحِبُّ الكافرين} يعني إن أعرضوا فإنه لا يحصل لهم محبة الله، لأنه تعالى إنما أوجب الثناء والمدح لمن أطاعه، ومن كفر استوجب الذلة والإهانة، وذلك ضد المحبة، والله أعلم. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال ابن عادل:

قوله: {فإِن تَوَلَّوْاْ} يحتمل وجهين:
أحدهما: أن يكون مضارعًا، والأصل تَتَوَلُّوْا فحذف إحدى التاءين كما تقدم، وعلى هذا، فالكلام جارٍ على نسق واحدٍ، وهو الخطاب.
والثاني: أن يكون فعلًا ماضيا مسندًا لضمير غيب، فيجوز أن يكون من باب الالتفاتِ، ويكون المراد بالغُيَّبِ المخاطبين في المعنى، ونظيره قوله تعالى: {حتى إِذَا كُنتُمْ فِي الفلك وَجَرَيْنَ بِهِم} [يونس: 22]. اهـ.

.قال البيضاوي:

{فَإِنَّ الله لاَ يُحِبُّ الكافرين} لا يرضى عنهم ولا يثني عليهم، وإنما لم يقل لا يحبهم لقصد العموم والدلالة على أن التولي كفر، وإنه من هذه الحيثية ينفي محبة الله وأن محبته مخصوصة بالمؤمنين. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{قُلْ أَطِيعُوا الله وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ الله لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ (32)}.
عودة إلى الموعظة بطريق الإجمال البحت: فَذْلَكَةً للكلام، وحرصًا على الإجابة، فابتدأ الموعظة أولًا بمقدمة وهي قوله: {إن الذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئًا} [آل عمران: 10] ثم شرع في الموعظة بقوله: {قل للذين كفروا ستغلبون} [آل عمران: 12] الآية.
وهو ترهيب ثم بذكر مقابله في الترغيب بقوله: {قل أؤنبّئكم بخير من ذلكم} [آل عمران: 15] الآية ثم بتأييد ما عليه المسلمون بقوله: {شهد الله أنه لا إله إلا هو} [آل عمران: 18] الآية وفي ذلك تفصيل كثير.
ثم جاء بطريق المجادلة بقوله: {فإن حاجّوك} [آل عمران: 20] الآية ثم بترهيب بغير استدلال صريح ولكن بالإيماء إلى الدليل وذلك قوله: {إن الذين يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير حق} [آل عمران: 21] ثم بطريق التهديد والإنذار التعريضي بقوله: {قل اللهم مالك الملك} [آل عمران: 26] الآيات.
ثم أمر بالقطيعة في قوله: {لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء} [آل عمران: 28].
وختم بذكر عدم محبة الكافرين ردًّا للعجز على الصدر المتقدم في قوله: {إن الذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم} [آل عمران: 10] الآية ليكون نفي المحبة عن جميع الكافرين، نفيًا عن هؤلاء الكافرين المعيَّنين. اهـ.

.قال السمرقندي:

{قُلْ أَطِيعُواْ الله والرسول} فقرن طاعته بطاعة رسوله رغمًا لهم، ويقال: أطيعوا الله فيما أنزل، والرسول فيما بَيّن {فَإِن تَوَلَّوْاْ} يعني إن أعرضوا عن طاعتهما {فَإِنَّ الله لاَ يُحِبُّ الكافرين} أي لا يغفر لهم. اهـ.

.فصل: [طاعة النبي صلى الله عليه وسلم]:

روى البغوى عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى» قالوا ومن يأبى؟ قال: «من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى».
أخبرنا عبد الواحد المليحي، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أنا محمد بن يوسف، أنا محمد بن إسماعيل، أنا محمد بن عبادة، أنا يزيد نا سُليم بن حيان وأثنى عليه، أنا سعيد بن ميناء قال: حدثنا أو سمعت جابر بن عبد الله يقول: جاءت ملائكة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو نائم. فقال بعضهم: أنه نائم وقال بعضهم: إن العين نائمة والقلب يقظان، فقالوا: إن لصاحبكم هذا مثلا فاضربوا له مثلا فقالوا: مثله كمثل رجل بنى دارا وجعل فيها مأدبة وبعث داعيا، فمن أجاب الداعي دخل الدار وأكل من المأدبة، ومن لم يجب الداعي لم يدخل الدار ولم يأكل من المأدبة، فقالوا: أوِّلوها له يفقهها، فقالوا: أما الدار الجنة والداعي محمد صلى الله عليه وسلم فمن أطاع محمدا فقد أطاع الله ومن عصى محمدا فقد عصى الله ومحمد صلى الله عليه وسلم فرق بين الناس. اهـ.

.قال نظام الدين النيسابوري في الآيات السابقة:

{قُلِ اللهمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ أنك عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (26) تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (27) لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ الله فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ الله نَفْسَهُ وَإِلَى الله الْمَصِيرُ (28) قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ الله وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَالله عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (29) يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ الله نَفْسَهُ وَالله رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ (30) قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ الله فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ الله وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَالله غَفُورٌ رَحِيمٌ (31) قُلْ أَطِيعُوا الله وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ الله لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ (32)}.
التفسير:
إنه سبحانه لما ذكر من طريقة المعاندين ما ذكر، علم نبيه صلى الله عليه وسلم طريقة مباينة لطريقتهم من كيفية التمجيد والتعظيم فقال: {قل اللهم} ومعناه عند سيبويه يا الله والميم المشددة عوض عن الياء. وإنما أخرت تبركًا باسم الله تعالى.
وهذا من خصائص اسم الله. كما اختص بدخول تاء القسم، وبدخول حرف النداء عليه مع لام التعريف، وبقطع همزته في يا الله. وعند الكوفيين أصله يا الله أمنا بخير أي أقصدنا، فلما كثر في الكلام حذفوا حرف النداء. وخففت الهمزة من أمّ. وزيف بأن التقدير لو كان كذلك لزم أن يذكر الدعاء بعده بالعطف مثل: اللهم واغفر لنا. ولجاز أن يتكلم به على أصله من غير تخفيف الهمزة وبإثبات حرف النداء وأجيب بأنه إنما لم يوسط العاطف لئلا يصير السؤال سؤالين ضرورة مغايرة المعطوف للمعطوف عليه بخلاف ما لو جعل الثاني تفسيرًا للأول فيكون آكد. وبأن الأصل كثيرًا ما يصير متروكًا مثل: ما أكرمه فإنه لا يقال: شيء ما أكرمه في التعجب.
{ومالك الملك} نداء مستأنف عند سيبويه. فإن النداء باللهم لا يوصف كما لا توصف أخواته من الأسماء المختصة بالنداء نحو: يا هناه ويا نومان ويا ملكعان وفل. وأجاز المبرد نصبه على النعت كما جاز في يا ألله.
عن ابن عباس وأنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين افتتح مكة وعد أمته ملك فارس والروم فقال المنافقون واليهود: هيهات هيهات من أين لمحمد ملك فارس والروم؟ هم أعز وأمنع من ذلك فنزلت الآية.
وعن عمرو بن عون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما خط الخندق عام الأحزاب وقطع لكل عشرة أربعين ذراعًا وأخذوا يحفرون، خرج من بطن الخندق صخرة كالتل العظيم لم تعمل فيها المعاول، فوجهوا سلمان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، يخبره صلى الله عليه وسلم، فأخذ المعول من سلمان فضربها صلى الله عليه وسلم ضربة صدعتها وبرق منها برق أضاء ما بين لابتيها كالمصباح في جوف بيت مظلم، وكبر صلى الله عليه وسلم وكبر المسلمون وقال صلى الله عليه وسلم: أضاءت لي منها قصور الحيرة كأنها أنياب الكلاب، ثم ضرب الثانية فقال صلى الله عليه وسلم: أضاءت لي منها القصور الحمر من أرض الروم، ثم ضرب صلى الله عليه وسلم الثالثة فقال: أضاءت لي قصور صنعاء، وأخبرني جبرائيل أن أمتي ظاهرة على كلها فأبشروا. فقال المنافقون: ألا تعجبون يمنيكم ويعدكم الباطل ويخبركم أنه يبصر من يثرب قصور الحيرة ومدائن كسرى وأنها تفتح لكم وأنتم إنما تحفرون الخندق من الفرق لا تستطيعون أن تبرزوا فنزلت.
وقال الحسن: إن الله تعالى أمر نبيه أنيسأله أن يعطيه ملك فارس والروم ويرد ذل العرب عليهما. وأمره بذلك دليل على أن يستجيب له صلى الله عليه وسلم هذا الدعاء وهكذا منازل الأنبياء إذا أمروا بدعاء استجيب دعاؤهم.
{مالك الملك} أي تملك جنس الملاك فيتصرف فيه تصرف الملاك فيما يملكون، وفيه أن قدرة الخلق في كل ما يقدرون عليه ليست إلا بأقدار الله تعالى. ثم لما بين كونه مالك الملك وأنه هو الذي يقدر كل قادر على مقدوره ويملك كل مالك على مملوكه فصل ذلك بقوله: {تؤتى الملك من تشاء} أي النصيب الذي قسمت له واقتضته حكمتك. فالأول عام شامل والآخر بعض من الكل. وهذا الملك قيل: ملك النبوة لأنها أعظم مراتب الملك لأن العلماء لهم أمر على بواطن الخلق، والجبابرة لهم أمر على ظواهر الخلق. والأنبياء أمرهم نافذ في البواطن والظواهر، فعلى كل أحد أن يقبل شريعتهم ولهم أن يقتلوا من أرادوا من المتمردين. ولهذا استبعد بعض الجهلة أن يكون النبي بشرًا {أبعث الله بشرًا رسولًا} [الإسراء: 94] ومن المجوّزين من كان يقول إن محمدًا صلى الله عليه وسلم فقير يتيم فكيف يليق به هذا المنصب العظيم؟ {لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم} [الزخرف: 31] وكانت اليهود تقول: النبوة في أسلافنا فنحن أحق بها. وقد روينا في تفسير قوله: {قل للذين كفروا ستغلبون} [آل عمران: 12] أن اليهود تكبروا على النبي صلى الله عليه وسلم بكثرة عددهم وعددهم فرد الله تعالى على جميع هؤلاء الطوائف بأنه سبحانه مالك الملك يؤتي الملك- وهو النبوة- من يشاء، وينزع الملك- النبوة- ممن يشاء لا بمعنى أنه يعزله عن النبوة فإن ذلك غير جائز بالإجماع بل بمعنى أنه ينقلها من نسل إلى نسل كما نزع عن بني إسرائيل ووضع في العرب، أو بمعنى أنه لا يعطيه النبوة ابتداء كقوله: {الله وليّ الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور} [البقرة: 257] فإنه يتناول من لم يكن في ظلمة الكفر قط. ومثله {أو لتعودنّ في ملتنا} [الأعراف: 88] مع أن الأنبياء لم يكونوا في ملتهم قط حتى يتصور العود إليها. وقيل: المراد من الملك التسلط الظاهر وهو الاقتدار على المال بأنواعه وعلى الجاه، وهو أن يكون مهيبًا عند الناس وجيهًا غالبًا مظفرًا مطاعًا. ومن المعلوم أن كل ذلك بإيتاء الله تعالى. فكم من عاقل قليل المال، ورب جاهل غافل رخي البال، وقد رأينا كثيرًا من الملوك بذلوا الأموال لتحصيل الحشمة والجاه وما ازدادوا إلا حقارة وخمولًا، فعلمنا أن الكل بإيتاء الله تعالى سواء في ذلك ملوك العدل وملوك الجور، لأن حصول الملك للجائر إن لم يقع بفاعل ففيه سد باب إثبات الصانع، وإن حصل بفعل المتغلب فكل أحد يتمنى حصول الملك والدولة لنفسه ولا يتيسر له. فلم يبق إلا أن يكون من مسبب الأسباب وفاعل الكل ومدبر الأمور وناظم مصالح الجمهور.
لو كان بالحيل الغنى لوجدتني ** بتخوم أقطار السماء تعلقي

لكن من رزق الحجى حرم الغنى ** ضدان مفترقان أيّ تفرق

ومن الدليل على القضاء وكونه ** بؤس اللبيب وطيب عيش الأحمق

وكذا الكلام في نزع الملك فإنه كما ينزع الملك من الظالم فقد ينزعه من العادل لمصلحة تقتضي ذلك. والنزع يكون بالموت وبإزالة العقل والقوى والقدرة والحواس وبتلف الأموال وغير ذلك.
في بعض الكتب: أنا الله ملك الملوك، قلوب الملوك ونواصيهم بيدي، فإن العباد أطاعوني جعلتهم عليهم رحمة. وإن العباد عصوني جعلتهم عليهم عقوبة، فلا تشتغلوا بسب الملوك ولكن توبوا إليّ أعطفهم عليكم، وهذا كقوله صلى الله عليه وسلم: «كما تكونوا يولى عليكم» والصحيح أن الملك عام يدخل فيه النبوة والولاية والعلم والعقل والصحة والأخلاق الحسنة وملك النفاذ والقدرة وملك محبة القلوب وملك الأموال والأولاد إلى غير ذلك، فإن اللفظ عام ولا دليل على التخصيص {وتعز من تشاء وتذل من تشاء} كل من الإعزاز والإذلال في الدين أو في الدنيا، ولا عزة في الدين كعزة الإيمان {ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين} [المنافقون: 8] وفي ضده لا ذلة كذلة الكفر وعزة الدنيا كإعطاء الأموال الكثيرة من الناطق والصامت، وتكثير الحرث وتكثير النتاج في الدواب وإلقاء الهيبة في قلوب الخلق، وكل ذلك بتيسير الله تعالى وتقديره {بيدك الخير} أي بقدرتك يحصل كل الخيرات وليس في يد غيرك منها شيء.
وإنما خص الخير بالذكر وإن كان بيده الخير والشر والنفع والضرّ، لأن الكلام إنما وقع في الخير الذي يسوقه إلى المؤمنين وهو الذي أنكرته الكفرة، أي بيدك الخير تؤتيه أولياءك على رغم من أعدائك، أو لأن جميع أفعاله من نافع وضار لا يخلو عن حكمة ومصلحة وإن كنا لا نعلم تفصيلها فكلها خير، أو لأن القادر على إيصال الخير أقدر على إيصال الشر فاكتفى بالأول عن الثاني. وللاحتراز عن لفظ الشر مع أن ذلك صار مذكورا بالتضمن في قوله: {إنك على كل شيء قدير} ولأن الخير يصدر عن الحكم بالذات والشر بالعرض فاقتصر على الخير.
{تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل} وذلك بأن يجعل الليل قصيرًا ويدخل ذلك القدر في النهار وبالعكس. ففي كل منهما قوام العالم ونظامه. أو يأتي بالليل عقيب النهار فيلبس الدنيا ظلمته بعد أن كان فيها ضوء النهار، ثم يأتي بالنهار عقيب الليل فيلبس الدنيا ضوأه. فالمراد بالإيلاج إيجاد كل منهما عقيب الآخر والأول أقرب إلى اللفظ، فإن الإيلاج الإدخال فإذا زاد من هذا في ذلك فقد أدخله فيه {وتخرج الحي من الميت} المؤمن من الكافر {أو من كان ميتًا فأحييناه} [الأنعام: 22] أي كافرًا فهديناه، أو الطيب من الخبيث، أو الحيوان من النطفة، أو الطير من البيضة وبالعكس. والنطفة تسمى ميتًا {كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتًا فأحياكم} [البقرة: 28] أو يخرج السنبلة من الحبة، والنخلة من النواة وبالعكس. فإخراج النبات من الأرض يسمى إحياء {يحيي الأرض بعد موتها} [الحديد: 17] {وترزق من تشاء بغير حساب} تقدم مثله في البقرة. وإذا كان كذلك فهو قادر على أن ينزع الملك من العجم ويذلهم ويؤتيه العرب ويعزهم. ثم لما علم كيفية التعظيم لأمر الله أردفه بشريطة الشفقة على خلق الله، أو نقول: لما ذكر أنه مالك الملك وبيده العزة والذلة والخير كله. بيّن أنه ينبغي أن تكون الرغبة فيما عنده وعند أوليائه دون أعدائه فقال: {لا يتخذ المؤمنون الكافرين} بالجزم، ولكن كسر الذال للساكنين. قال الزجاج: ولو رفع على الخبر جاز، ولكنه لم يقرأ. والخبر والطلب يقام كل منهما مقام الآخر. وقوله: {من دون المؤمنين} يعني أن لكم في موالاة المؤمنين مندوحة عن موالاة الكافرين فلا تؤثروهم على المؤمنين.